
رغم مرور أكثر من 22 عاما على التجربة الديمقراطية، ما زالت زيادة عدد الأحزاب السياسية في العراق تشكل ظاهرة تثير القلق، فقبيل كل انتخابات تشريعية تسجل المفوضية العليا مزيدا من الأحزاب الصغيرة التي يصر البعض على تسميتها “دكاكين”.
وعلى الرغم من أن هذه “الدكاكين” تنكمش وتتلاشى بمرور الزمن في التجارب الديمقراطية الأخرى، لكنها في العراق لا تنفك عن التزايد، لجملة أسباب منها قوانين الانتخابات المتغيرة، وتشجيع الكتل الكبيرة على إنشاء أحزاب تستفيد من أصواتها، وقيام تلك الأحزاب الكبرى بإنشاء ما تسمى بـ”أحزاب الظل”.
ويؤكد رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات عماد جميل، أن “عدد الأحزاب المجازة، بانتهاء فترة التسجيل التي حددت يوم الخميس الماضي بعد تمديد التسجيل لأكثر من مرة وصل إلى 343 حزباً، أما الأحزاب قيد التأسيس فبلغت 60 حزبا، حيث أبدى 118 حزبا رغبته بالمشاركة في الانتخابات النيابية”.
ويضيف جميل أن “تسجيل الأحزاب يتم بشكل قانوني وأن جميع المعايير متحققة في الأحزاب المسجلة ويحق لجميعها تقديم قوائم مرشحيها اعتبارا من 25 أيار الحالي ولغاية 24 حزيران المقبل”.
وفيما إذا ما كانت كثرة عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات تصعب من عمل المفوضية، يشير رئيس الفريق الإعلامي إلى أن “المفوضية جاهزة لجميع التحديات وأن موضوع عدد الأحزاب متوقع وطبيعي في العراق ولن تكون هناك أي صعوبة في التعامل مع هذه القضية سواء في تسجيلها أو في الاقتراع العام”.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قررت يوم الاثنين الماضي، تمديد فترة تسجيل التحالفات والأحزاب والقوائم المنفردة للمقاعد العامة ومقاعد المكونات للراغبين بالمشاركة في انتخابات مجلس النواب 2025 لغاية نهاية الدوام الرسمي ليوم الخميس.
ومع نهاية الفترة، أعلنت دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية، الموقف النهائي لعملية تسجيل التحالفات السياسية، وذلك ضمن المهلة الزمنية المقررة لتقديم طلبات التسجيل، وقالت إن عدد التحالفات السابقة بلغ 66 تحالفا، وعدد التحالفات التي حصلت على شهادة المصادقة من قبل مجلس المفوضين 5 تحالفات، وعدد التحالفات بانتظار المصادقة من قبل مجلس المفوضين بلغت 11 تحالفا، وعدد التحالفات التي أبدت رغبتها بالمشاركة في الانتخابات 25 تحالفا، وعدد القوائم المنفردة التي قدمت طلب إبداء الرغبة بالمشاركة 16 قائمة.
من جانبه، يوضح الخبير الانتخابي عادل اللامي، إن “هذه الأعداد الكبيرة هي للأحزاب المسجلة التي تمتلك الحق في ممارسة العمل السياسي سواء في الانتخابات أو خارجها”.
ويضيف اللامي، أن “هذه الأعداد موجودة في التجارب الدولية، لكن تتناقص بمرور الزمن، لأن هذه الأحزاب التي تشبه الدكاكين تعرف في النهاية أنها لن تفوز، فتأتلف مع أحزاب أخرى وتقل أعدادها لكن في العراق يحدث العكس وتتزايد”.
ويرجع عضو المفوضية الأسبق سبب ذلك، إلى أن “قانون الانتخابات في العراق مؤشر متغير ولا يمكن أن تقاس عليه إمكانات الحزب بالفوز والخسارة، ولا يعرف الحزب قيمته ومكانته لدى جماهيره ومقبوليته، لذا تتكاثر هذه الأحزاب وثم تدخل في ائتلافات”.
وبالإضافة إلى ذلك، يشير اللامي إلى أن “الأحزاب الكبيرة ترحب دائما بانضمام الأحزاب الصغيرة، لأن هذه الأخيرة تجمع الأصوات، حتى وإن لم تصل أصواتها إلى مقعد، لكن تستفيد منها قائمة الائتلاف”.
كما يذكر أن “العراق لا يمتلك نضجا سياسيا حزبويا إذ لا يدخل الحزب معارك انتخابية ويفوز بها بحكمة، لذا ترى أن أعداد الأحزاب كبيرة والأصوات مشتتة وتذهب إلى الكتل الكبيرة”، مشيرا إلى أن “القانون من جهة يبيح تشكيل الأحزاب، والكتل الكبيرة تشجع على هذا حتى تستفيد من أصواتها”.
وكان النائب السابق محمد سلمان، أكد أن كثرة الأحزاب في العراق يعكس حالة من التشظي والانفلات السياسي، داعيا إلى تعديل قانون الأحزاب في العراق أسوة بدول العالم، من خلال عدد الأصوات الحاصل لها الحزب في الانتخابات السابقة، من أجل التسجيل، والمشاركة في الانتخابات.
وأكدت مفوضية الانتخابات العراقية من جانبها، أن القانون الحالي لا يربط عدد الأحزاب بعدد المقاعد البرلمانية، وأن لكل حزب الحق بترشيح عدد من الأفراد يعادل ضعف عدد المقاعد، ما يعني أن وفرة الأحزاب لا تتناقض مع الإطار القانوني، لكنها تثير قلقا سياسيا واسعا.
واستند الرد على هذه الظاهرة، إلى دعوات متكررة من خبراء قانونيين وسياسيين بضرورة تعديل قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، خصوصا بعد مرور عشر سنوات على إقراره.
واشتدت المخاوف من أن يتحول المشهد الحزبي في العراق، إلى مساحة لتسجيل الكيانات الورقية أو المتاجرة بالمشاركة الانتخابية، خصوصا في ظل تزايد التحالفات الجديدة التي بلغ عددها 66 تحالفا حتى أيار مايو الجاري.
من جهته، يرجع المحلل السياسي غالب الدعمي، هذه الزيادة الملحوظة في أعداد الأحزاب إلى “عدم وجود مانع قانوني من أن يكون هناك عدد كبير من الأحزاب”.
لكن وفق ما يعتقد فأن “الأحزاب الكبيرة هي من أسست أحزاب ظل صغيرة لها”، مشيرا إلى أن “نحو نصف هذه الأحزاب المسجلة هي أصلا كيانات متفرعة ومنشطرة من الأحزاب الكبيرة التي تعمل لها وتمول من قبلها”.
فضلا عن ذلك، يعتقد الدعمي، أن “هذه الأحزاب بالنتيجة ستأتلف قبيل الانتخابات، وسيكون عددها أقل بكثير، ومع هذا لا يوجد بلد كالعراق قياسا بكثافته السكانية لديه هذا العدد المسجل من الأحزاب، إذ يرغب نحو 120 حزبا منها بخوض الانتخابات”، لكنه يرجح أن “نتائج الفوز لن تشمل سوى 15 حزبا على الأكثر في النهاية”.
وكان المحلل السياسي، محمد علي الحكيم، رأى في وقت سابق، أن “كثرة الأحزاب السياسية في العراق سببه القوى السياسية المتنفذة التي عملت على تأسيس قوى ناشئة رديفة لها، وهذه القوى بالتأكيد تعمل على تشتيت أي أصوات تريد منافسة حقيقية لهذه القوى التقليدية في أي انتخابات تجري”.
وأشار إلى أن “نسبة كبيرة تقدر بـ70 بالمئة من الأحزاب الناشئة والجديدة هي واجهات لجهات وشخصيات سياسية متنفذة، وهذا الأمر أصبح مكشوفا لدى الجميع، ولهذا نرى أن هناك تزايدا كبيرا في أعداد الأحزاب المسجلة بشكل رسمي لدى دائرة الأحزاب، وأكيد هذه الأحزاب لها أجندات تنفذها لصالح تلك القوى والشخصيات الداعمة لها”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- بعد تعافيه من الادمان.. احد ضحايا المخدرات: كنت ارى أبي وأمي من ألد اعدائي
- ضعف "التمثيل" في قمة بغداد.. "لوبي عربي" أم خور عبد الله أم أجندة إقليمية؟
- انخفاض الدولار.. "منجز حكومي" أم حدث "مؤقت" لعامل خارجي؟