
على وقع التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، يتحسس العراق مكامن ضعفه الاقتصادي، ففي وقت يتعاظم فيه القلق الشعبي والرسمي من التداعيات المحتملة لأي انفجار إقليمي واسع، خاصة مع التوقع بجر العراق لساحة الحرب، يبرز الاقتصاد الهش واعتماده على النفط وتداخله مع الاقتصاد الإيراني.
ويتخوف الشارع العراقي من تأثيرات الحرب بين إيران وإسرائيل على الاقتصاد والسوق بشكل عام، فمنذ بدايتها توقفت معظم القطاعات، ومنها قطاع العقارات، وسوق الذهب، وسوق السيارات، والاستثمارات، فالمواطن لا يعرف المستقبل وما ينتظره، في ظل التحديات التي تواجه البلاد، لذلك لايفضل شراء الحاجات الكمالية، ويقتصر على شراء الحاجيات الأساسية فقط، بحسب خبراء بالاقتصاد، الي وصفوا ما يجري بأنه “الركود الحذر”.
وحول هذا الأمر، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة جيهان بأربيل، نوار السعدي، إن “الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، قد أدت إلى انكماش فعلي وملموس في حركة السوق العراقية، ليس فقط من الناحية المالية بل أيضا من الناحية النفسية والسلوكية، وهذا الانكماش لا يقتصر على قطاع واحد، بل يشمل معظم مفاصل الاقتصاد الداخلي”.
ويضيف السعدي، أن “المواطن العراقي اليوم يعيش حالة من القلق والترقب، وهذه الحالة تدفعه إلى تبني سلوك استهلاكي أكثر تحفظا، فيحجم عن شراء الكماليات أو الإنفاق على سلع غير ضرورية، ويؤجل قرارات الشراء الكبيرة، حتى في مجالات كانت مزدهرة نسبيا كالعقارات، السيارات، الأجهزة الإلكترونية، أو حتى السياحة الداخلية”.
ويتابع أن “هذا السلوك لا يأتي من فراغ، بل من شعور عام بعدم اليقين بشأن المستقبل، خصوصا أن الحرب تبدو مفتوحة على احتمالات متعددة، وقد تؤثر في أي لحظة على سعر صرف الدولار، أو أسعار السلع الأساسية”.
ويذكر أستاذ الاقتصاد في جامعة جيهان، أن “هناك جانبا آخر أيضا، فالقطاعات التجارية والإنتاجية نفسها أصبحت مترددة، إذ أن هناك تجارا لا يريدون تجديد المخزون خشية الخسارة أو ارتفاع الأسعار عالميا، وهناك مصانع ومراكز إنتاج تقلص حجم العمل بسبب المخاوف من تقلص الطلب، أو من اضطرابات في سلسلة التوريد، خصوصا وأن العراق يعتمد على الاستيراد في كثير من مدخلات الإنتاج”.
ويشير السعدي، إلى أن “هذه الحالة خلقت ما يمكن تسميته بالركود الحذر، حيث السوق يعمل ولكن بحجم أقل، والمواطن يتفاعل ولكن بتحفظ شديد، والتاجر ينتظر ولا يبادر، هذا الركود إذا طال أمده، سيتحول إلى دائرة مغلقة تؤثر على التشغيل، الدخل، الاستهلاك، ثم على دورة الاقتصاد بأكملها، ما يهدد بموجة بطالة جديدة ويضعف قدرة القطاع الخاص على البقاء”.
ويوصي الحكومة بـ”التحرك سريعا لكسر هذه الحلقة، من خلال إرسال رسائل طمأنة اقتصادية واضحة، وضمان استقرار سعر الصرف، وتوفير الدعم للقطاعات التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى ضبط الأسواق من المضاربين والمحتكرين الذين يفاقمون القلق الشعبي”.
ويعتمد العراق يعتمد بدركة كبيرة على السلع المستوردة من إيران، وخاصة الخضار والفواكه، والمواد الغذائية، وبيض المائدة، والألبان الإيرانية، التي تشكل النسبة الأكبر داخل الأسواق العراقية.
من جانبه، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، أن “الصراعات الإقليمية في المنطقة تؤدي إلى خفض الانفاق غير الضروري”.
ويوضح حنتوش، أن “العراق في حالة حرجة، رغم كونه غير معني بالحرب حتى الآن، لكن مستقبل النفط، ومستقبل دخول البضائع غير مضمون”، مبينا أن “الكثير من السلع في حالة ارتفاع، وأيضا المواطن لا يقبل على شراء الحاجات غير الضرورية، بسبب الخوف والقلق، ولا يريد انفاق كل أمواله، كونه لا يعرف مصير الرواتب”.
وإذا استمرت حالة الحرب بين إسرائيل وإيران، (يقول) “فقد نشهد حالة ركود غير مسبوقة خلال الأيام المقبلة، تربك الأسواق العراقية، وتؤثر على جميع القطاعات، وتزيد من حجم البطالة”.
يشار إلى أن بعض أنواع الفواكه والخضار، ارتفع سعرها للضعف في العاصمة بغداد، فبعد أن كان سعر اليكلوغرام منها نحو 2000 دينار، بلغ 4250 دينارا.
وتراجعت حركة السياحة الداخلية، التي عادة ما تنشط في هذا الوقت من كل عام، وبدأت صفحات التواصل الاجتماعي المختصة بالترويج للسياحة والمدن تتساءل عن نسبة تراجع السائحين، وخاصة المتجهين لإقليم كردستان.
وبحسب بيانات رسمية، يستورد العراق من إيران سنويا ما يفوق 10 مليارات دولار من السلع الغذائية والصناعية، إضافة إلى الغاز اللّازم لتشغيل محطات الكهرباء.
من جهة أخرى، يؤكد عضو اللجنة المالية النيابية سوران عمر، أن “المواطن العراقي يعيش حالة من الخوف والإرباك، نتيجة حالة الحرب في المنطقة، التي تؤثر بشكل كبير على البلاد”.
ويتابع عمر، أن “أبرز ما يقلق الشارع العراقي، هو مدى إمكانية قدرة الحكومة على دفع الرواتب للموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية بشكل منتظم، دون تأخير”، مؤكدا أنه “من الطبيعي في حالة الحرب تعيش الأسواق حالة من الإرباك، ولكن الحكومة مطالبة بتطمين الشارع، وتأمين لقمة المواطن الأساسية، وتوزيع السلة الغذائية بموعدها، وتأمين صرف الرواتب، لأنها السبيل الوحيد لاستمرار الحياة”.
ويستطرد أنه “حتى الآن لا توجد مشكلة في صرف رواتب الموظفين، ولكن القلق إذا تطورت الأزمة بشكل أكبر، أو توقف تدفق النفط، في حال تطورت الحرب، فإن ذلك يؤدي لنقص كبير في السيولة المالية”.
يذكر أن العراق أكدا أنه يخسر ملايين الدولارات يوميا نتيجة الإغلاق الكامل لمجاله الجوي فضلا عن تكبّد شركات الطيران المحلية والمطارات خسائر واسعة.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ بموجب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يقضي بوقف شامل وكامل لإطلاق النار المستمر منذ 12 يوماً.
إلّا أن ترامب أعرب عن عدم رضاه على إيران وإسرائيل إزاء خرقهما وقف إطلاق النار الذي أعلنه في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- رسوم وضرائب مرتفعة بلا خدمات.. مفارقة "استفزازية" في الدوائر الحكومية العراقية
- سد دوكان العراقي الضخم فقد 75% من مياهه جراء الجفاف
- إحصائيات: العراقيون ينفقون 6 مليارات دولار سنوياً على السفر خارجياً.. والبلد لا يستثمر سياحته