
يبدو أن العلاقة بين بغداد وأربيل تتجه إلى التصعيد، إثر إيقاف الحكومة الاتحادية تمويل رواتب الإقليم، فيما يستمر تبادل الاتهامات بشأن الالتزامات القانونية والدستورية المتعلقة بالإيرادات والنفقات.
عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، كشف عن وصول مديونية الإقليم إلى ما يقارب 4 تريليونات دينار، متهما إياه بتهريبه نحو 286 ألف برميل يوميا.
وقال الكرعاوي في حوار متلفز، إن “الخلافات بين بغداد وأربيل معقد ووفق لغة الأرقام فإننا لو نعود إلى نص الموازنة، فحتى الرواتب يجب أن لا تدفعها الحكومة المركزية، وذلك لأن هناك أربع نقاط يجب أن يلتزم بها الإقليم، وهي تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية، وأن التصدير يكون عن طريق سومو، وأن يتم تسديد ما في ذمة الإقليم من ديون، وأخيرا أن يكون التمويل على أساس الإنفاق الفعل”.
وأضاف “نحن كلجنة مالية نيابية أضفنا نصا، وهو أن تكون الأولوية للرواتب بالصرف”، مبينا أن “قرار المحكمة الاتحادية ألزم بغداد بصرف رواتب الإقليم بعيدا عن المشاكل بين بغداد وأربيل، لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن الحكومة المركزية تمول الرواتب كاملة، في حين تقوم حكومة الإقليم بصرف جزء منها للرواتب والجزء الآخر لأغراض تشغيلية واستثمارية، وهذا وفق لغة الأرقام”.
وتابع أن “اللجنة المالية النيابية، منحت التمويل للإقليم منذ عامين، إلا أن وزارة المالية الاتحادية لم تُوطن حتى الآن رواتب موظفي الإقليم”، مبينا أن “الإقليم مدين للحكومة الاتحادية بما يقارب 4 تريليونات دينار، وقد تجاوز السقف النقدي المسموح به مع المركز”.
وأوضح، أن “الاستمرار في تمويل الإقليم جاء بسبب المجاملات السياسية، ولو لا ذلك لانقطع التمويل منذ سنوات”.
وأكد، أن “الحكومة الاتحادية تجهل كميات النفط المصدرة من حقول الإقليم، في وقت يقوم الأخير بتهريب نحو 286 ألف برميل يوميا”، مبينا أن “جميع عقود النفط التي أبرمها الإقليم سيتم الطعن بها دوليا وتُعد باطلة من الناحية القانونية”.
وشدد على أن “حكومة الإقليم خاضعة لجميع القوانين العراقية”، داعيا إلى “إبعاد الموظف الكردي من دائرة الخلافات السياسية والتمويل المالي، وعدم الزج به في الصراعات بين المركز والإقليم”.
وحذر القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، الثلاثاء الماضي، من انعكاسات إيقاف تمويل رواتب إقليم كردستان، إذ ذكر في تدوينة له عبر منصة (أكس)، قائلا، “قرار حكومة السوداني الإطار التنسيقي بإيقاف تمويل رواتب موظفي اقليم كردستان، وفي توقيت سئ جدا، لمعاقبة جماعية وتجويع لمواطني الإقليم من خلال التشبث بحجج مالية وإدارية سوف لن يمر مرور الكرام وبدون عواقب، فنحن لا نعيش في مدينة فاضلة، وتاريخنا السياسي يؤشر بأن المعتدي سيعاقب”.
ويتخذ الخلاف بين أربيل وبغداد، حول قطع الأخيرة تمويل رواتب موظفي الإقليم، أبعادا سياسية واقتصادية معقدة، وسط خلافات متراكمة، أبرزها ملف النفط والاتفاقيات الثنائية مع شركات أمريكية، بحسب مختصين.
وتسلمت المحكمة الاتحادية العليا، في 1 حزيران الجاري، دعوى قضائية من قبل عدد من موظفي إقليم كردستان، يطالبون فيها بإلزام وزارة المالية الاتحادية، إرسال رواتب موظفي كردستان، بناء على قرار المحكمة الاتحادية لعامي 2023 و2024، الذي نص على وجوب استمرار صرف رواتب موظفي الإقليم، بغض النظر عن المشاكل المالية الأخرى بين بغداد واربيل، وسط ترجيحات بصرف الرواتب يوم الثلاثاء المقبل.
وجاء في تفاصيل الدعوى الموقعة من موظفي إقليم كردستان، أنه في هذا اليوم أقيمت دعوى من قبل موظفين من الإقليم بخصوص المطالبة باستمرار صرف الرواتب في إقليم كردستان، وفي مواعيدها المحددة، وفقا لقرار المحكمة الاتحادية بالعدد (224 وموحدتها 269/اتحادية/2023 في 21\2\2024).
وطالب المدعون، بإصدار أمر ولائي يُلزم وزارة المالية الاتحادية بصرف الرواتب، تنفيذا لقرار المحكمة المذكور، الذي يتضمن إلزام كل من رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، ورئيس مجلس الوزراء في حكومة إقليم كردستان – العراق، بتوطين رواتب منتسبي جميع الوزارات، والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة، وجميع منتسبي الجهات الحكومية الأخرى، والمتقاعدين، ومستفيدي شبكة الحماية الاجتماعية في الإقليم لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم، مع خصم المبالغ من حصة الإقليم المحددة بموجب قانون الموازنة.
وقد سجلت الدعوى المذكورة لدى المحكمة الاتحادية بالعدد (104/ اتحادية/ 2025)، واستوفيت الرسوم القانونية عنها، وسوف يتم البت بطلب إصدار الأمر الولائي في أقرب وقت. بحسب مقيمي الشكوى.
يأتي ذلك، بعد أيام من تفجر أزمة بين الجانبين إثر توقيع حكومة إقليم كردستان، اتفاقيتين نفطيتين مع شركتين أميركيتين لاستثمار حقلي ميران وتوبخانه – كردمير في محافظة السليمانية، وهو ما رفضته وزارة المالية داعية إلى الالتزام بالدستور الذي ينظم العلاقة النفطية بين بغداد وأربيل.
وإثر ذلك، دخلت العلاقة بين حكومتي بغداد وأربيل، منعطفا خطيراً بقرار وزيرة المالية وقف صرف رواتب موظفي إقليم كردستان، بسبب عدم حسم ملف عائدات النفط من حقول الإقليم المتوقفة منذ عامين، وبينما تسبب القرار بردود فعل غاضبة من الجانب الكردي، وسط تلويح بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية في بغداد.
وكانت وزيرة المالية، طيف سامي، قد أبلغت رسميا، في 28 آيار الجاري، حكومة الإقليم بتعذّر استمرار الوزارة في تمويل الرواتب، مرجعة ذلك إلى “تجاوز كردستان الحصة المقررة لها ضمن قانون الموازنة الاتحادية والبالغة 12.67%”.
وفي بيان لاحق للوزارة أكدت، أن “حكومة الإقليم لم تلتزم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية للحكومة الاتحادية، وأن امتناع الإقليم عن تسليم الإيرادات أدى إلى تجاوز حصته المحددة في الموازنة”، مشيرة إلى أن “حكومة الإقليم لم تلتزم بتوطين الرواتب”، ورأت أن “عدم التزام حكومة الإقليم بتسليم نفط حقول الإقليم لشركة سومو تسبب في خسارة الخزينة العامة تريليونات الدنانير”.
وندد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، بالقرار، وقال في بيان، إن “بغداد لا تزال مستمرة في انتهاك الحقوق الدستورية لإقليم كردستان، وآخر تلك الانتهاكات يتمثل في كتاب وزارة المالية الذي يتعارض مع الدستور، وأسس الاتفاق السياسي لتشكيل الحكومة، ويُعد استغلالا سياسيا لقوت المواطنين”، مؤكدا أن “هذا الموضوع سيكون محورا رئيسيا في اجتماع لجنتنا المركزية، المقرر عقده في الثاني من حزيران المقبل، لمناقشته واتخاذ الموقف المناسب حياله”، وهدد الحزب بأنه “في حال عدم إرسال مستحقات وحقوق شعب الإقليم قبل عيد الأضحى، فإننا سنتخذ موقفا حازما وسيكون لنا موقف حيال ذلك”.
ومنذ سنوات، لم يحل ملف الرواتب في إقليم كردستان، وبقي معلقا بين الشد والجذب مع الحكومة الاتحادية، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطا على الإقليم، مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط، لكن منذ عامين، بعد توقف تصدير الإقليم للنفط عبر ميناء جيهان التركي، حولت الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين إلى “سلف” تقدم للإقليم.
وكان عضو اللجنة المالية السابق، أحمد الحاج رشيد، أكد في 20 كانون الثاني الماضي، أنه لا يوجد أمل لحل أزمة رواتب كردستان بشكل جذري، متوقعا تكرارها كل شهر لعدم التزام حكومة الإقليم، بتسليم 50% من الإيرادات الداخلية.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق، نتيجة تأخر صرف الرواتب، وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بين بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.
أقرأ ايضاً
- لافتات المرشحين تغزو الشوارع.. هل تفلت الدعاية المبكرة من رقابة المفوضية؟
- رواتب الإقليم.. إجراء "بريء" أم "سياسي"؟
- رواتب الإقليم.. إجراء "بريء" أم "سياسي"؟