
بينما ترتفع درجات الحرارة، تنخفض مناسيب المياه في العراق إلى مستويات قياسية لم تعهدها البلاد منذ أكثر من 80 عاما، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات صعبة، تتصدرها إلغاء الخطة الزراعية الصيفية بالكامل، ما يعني دخول العراق مرحلة الجفاف المزمن، فيما يستمر العراق بدفع ثمن سدود دول المنبع في تركيا، وإيران، دون أي تحرك دولي مهم.
وفي هذا الإطار، أكدت جهات حكومية، اليوم الثلاثاء، أن قلة الأمطار والاحتباس الحراري، فضلا عن قلة إيرادات دول المنبع، سوف تهدد بنضوب المياه الجوفية في البلاد على المستقبل القريب، فيما أشارت إلى أن مياه الأنهر، سوف تقتصر على مياه الشرب فقط.
وقال مستشار وزارة الزراعة مهدي القيسي، في حوار متلفز، إن ” قلة الإيرادات المائية من دول الجوار وتحديدا من تركيا، فضلا عن الاحتباس الحراري وقلة الأمطار، جعلت البلاد أمام أزمة حقيقية وناقوس خطر عما ستؤول إليه الأمور خلال الفترة المقبلة “.
وأضاف، أن “المشكلة كبيرة ومعقدة وسوف تنعكس في المستقبل المنظور على المياه الجوفية، لا سيما وأن مصادرها تأتي من تلك الإيرادات والأمطار”، مؤكدا أن “هذا بدأ يظهر من خلال حفر الآبار على عمق يتزايد يوما بعد آخر”.
الجدير بالذكر، أن العراق يمتلك خمسة ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة، أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلا عن الخزين الاستراتيجي غير معلوم الكمية، إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
من جهته، قال معاون مدير عام الهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري، غزوان السهلاني، إن “هذا الصيف سيكون قاسيا، حيث أن الوزارة تقوم بتدور المياه المتوفرة لديها وفق الخزين القليل المتوفر، والذي لا يتجاوز الـ10 مليار متر مكعب”.
وأضاف، أن “الوزارة وضعت خطة يتم من خلالها توزيع المياه على المحافظات وفق المساحات والسكان”، لافتا إلى أنه “في هذا الصيف لا توجد خطة زراعية”.
وتابع، أن “وزارة الموارد وضعت خطة حيث سيتم تخصيص مياه الأنهر للشرب فقط، فيما سيتم تأمين إرواء فقط البساتين المعمرة، فضلا عن توفير حصة قليلة للاهوار”.
وكان المتحدث باسم وزارة الموارد المائية في العراق، خالد شمال، أكد في 20 آيار الجاري، أن النقص في المياه أسوأ من عام 2024، وسيجبر السلطات على تقليص مساحة الأراضي الزراعية هذا الصيف.
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر منذ 5 سنوات على الأقل، تنتقد بغداد بانتظام السدود التي بنيت على النهرين في بلدي المنبع تركيا وإيران، والتي أدت إلى انخفاض كبير في مستوى النهرين، اللذين يشكلان المصدر الأساسي للمياه في العراق، بحسب وكالة فرانس برس.
وأوضح شمال، على هامش مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، “لا يستلم العراق سوى أقل من 40% من استحقاقه، ونستطيع أن نلاحظ انخفاض منسوب المياه في كل من دجلة والفرات”، مشيرا إلى أن “المخزون الاستراتيجي للمياه في العراق كان أفضل في العام الماضي، إذ كان ضعف الموجود حاليا”.
وتابع، “في بداية موسم الصيف من المفترض أن يكون لدينا ما لا يقل عن 18 مليار متر مكعب، أما الآن فنحن لدينا حوالى 10 مليارات متر مكعب”.
وأصبح العراق خلال السنوات القليلة الماضية، من أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70 بالمائة من الأراضي الزراعية، ونزوح سكانها إلى مناطق حضرية للعيش، كما جفت الأهوار وتراجعت مناسيب الأمطار.
وأكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في آذار 2024، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع (تركيا وإيران) المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان نحو 70 بالمائة من حصة العراق المائية.
ونتيجة لهذه الظروف مجتمعة، اضطرت الحكومة والأهالي إلى اللجوء للمياه الجوفية بغية سد النقص الحاصل في مياه الشرب والسقي.
ويتصدر العراق الدول العربية بالمياه الجوفية التي تصل تقريبا إلى 30 مليار لتر مكعب، وفق نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، زوزان كوجر، مؤكدة أن المياه الجوفية لها دور حيوي في تنمية واستصلاح الأراضي، خاصة في الأماكن التي لا يمكن وصول المياه السطحية إليها.
وتستخدم هذه المياه – التي تعد بديلا عن المياه السطحية – للأنشطة الزراعية أو الصناعية أو حتى للاستخدامات البشرية، حسب الاحتياج الفعلي في تلك المناطق.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي، بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويبدو أن الحكومات العراقية، على مدى قرن مضى، فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين، يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
وكشف مؤشر جفاف التربة SPI لمنطقة الشرق الأوسط لشهر كانون الأول 2024، وجود جفاف حاد ومتطرف لعموم مناطق العراق (ما بين 1.6-1.8) عن الحد الطبيعي، حسبما أفادت به هيئة الأنواء الجوية العراقية.
ولوح العراق، في 24 كانون الأول 2024، بتدويل قضية أزمة المياه مع تركيا عبر المحاكم الدولية، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء بهذا الشأن حتى الآن.
وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي، بختيار أمين، أكد في تصريح سابق، إن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه”.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية اذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى إستراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.
أقرأ ايضاً
- "وهم التعيينات" في العراق.. ضبط موظفات ومحتالين يتقاضون رشاوى بالملايين
- وزير الداخلية يوجه بتوصيات للدفاع المدني ونشر عجلات الإطفاء على الخط السريع
- 80% من العراقيين مصابون بمرض التلوث الضوضائي