
في خضم سياسة حصر الجنسية في الكويت التي ينتهجها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في حملة غير مسبوقة منذ تولّيه الحكم في نهاية عام 2023، جُرّد حوالي 42 ألف كويتي من جنسيتهم، في تجاهل تام للقانون الدولي في غضون ستة أشهر فقط. واليوم أيضاً تستكمل هذه السياسة التي تستهدف العديد من الفئات في المجتمع الكويتي.
في خطاب متلفز في آذار 2025 موجّه لسكان البلاد الذين لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة، ثلثهم فقط من الكويتيين، وعد الأمير بـ"تسليم الكويت لأهلها الأصليين نظيفة خالية من الشوائب التي علقت بها".
هذا ما حدث اليوم للمى وهي سيدة كويتية وكثيرات من أمثالها، عندما اكتشفت فجأة أنها لم تعد كويتية حينما دخلت صالة رياضية في مدينة الكويت وهمّت بدفع رسوم الجلسة، لتُصدم بأن بطاقتها الائتمانية أوقفت وحسابها البنكي جُمد مؤقتا بسبب إسقاط جنسيتها المكتسبة عن طريق الزواج.
تقول لمى التي طلبت على غرار باقي النساء استخدام اسم مستعار لتفادي أي مشاكل مع السلطات الكويتية، إنها "كانت صدمة".
أضافت الخمسينية أردنية الأصل "أن تكون مواطنا ملتزما بالقانون طيلة 23 عاما، ثم تستيقظ يوما ما وتكتشف أنك لم تعد كذلك.. هذا غير مقبول إطلاقا".
تُعد لمى واحدة من بين أكثر من 37 ألف شخص، بينهم 26 ألف امرأة على الأقل، سُحبت منهم جنسيتهم الكويتية منذ آب/أغسطس، استنادا إلى معطيات رسمية. وتشير تقارير إعلامية محلّية إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير.
ورغم أن عمليات سحب الجنسية ليست جديدة في الكويت، إلا أن "حجمها غير مسبوق"، بحسب أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت بدر السيف.
ويوجد في الكويت فئة مهمّة من الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية ويُعرفون بـ"البدون"، ويُقدر عددهم بمئة ألف شخص، وهم من حُرموا من الجنسية عند استقلال الكويت من الحماية البريطانية في العام 1961.
"بين عشية وضحايا أصبحتُ بلا جنسية"
تلغي هذه الحملة التجنيس عن طريق الزواج، والذي كان ينطبق على النساء فقط. وهكذا، سُحبت الجنسية من جميع من أصبحن كويتيات عبر الزواج منذ العام 1987. وتشير أرقام لوزارة الداخلية إلى أن 38505 نساء حصلن على الجنسية الكويتية بين 1993 و2020.
كما تستهدف حاملي الجنسية المزدوجة بما أن الكويت لا تسمح بذلك، إضافة إلى الأشخاص الذين حصلوا وعائلاتهم على الجنسية بطرق غير قانونية كاستخدام وثائق مزورة على سبيل المثال.
كذلك سحبت الكويت أيضا جنسية العديد ممن حصلوا عليها تحت بند "الأعمال الجليلة" في المجتمع، ومن بينهم المطربة نوال الكويتية والممثل داود حسين.
تقول سيدة الأعمال أمل، التي حملت الجنسية الكويتية لما يقارب عقدين، "بين عشية وضحاها، أصبحتُ بلا جنسية".
وهكذا وجد كثيرون أنفسهم في مأزق قانوني وهم يكافحون لاستعادة جنسيتهم السابقة.
في السياق، تقول الباحثة في منظمة العفو الدولية منصورة ميلز "الحق في الجنسية حق إنساني أساسي للغاية، وعدم احترامه وضمانه قد يضرّ بحياة الناس، وهو أمر يدركه البدون جيدا".
هذا فيما يرى محللون أن الحملة الأخيرة تتمحور حول مسألة الهوية الوطنية الكويتية. ويرجع بدر السيف ما يحدث إلى "مفهوم الهوية"، متسائلا "من نحن كأمّة؟".
تعتمد الكويت على نظام برلماني عُرف بثقله وتأثيره، بخلاف عدد من دول الخليج، إلا أن نظام الجنسية المنضوي تحته يحصر الحقوق السياسية لمن وُلدوا لأب كويتي.
وفي أعقاب غزو العراق عام 1990، منحت الكويت حق الانتخاب لمن مضى على تجنيسهم 20 عاما، ولمن وُلدوا بعد تجنيس والديهم.
ويرى السيف أن ذلك كان "عربون تقدير" للوقوف إلى جانب الكويت، لكنه أيضا "دفعٌ نحو الوحدة الوطنية بعد التحرير".
"يلاحقون الأمهات"
لكن القيادة الكويتية الجديدة لديها "رؤية إقصائية للقومية الكويتية" تستبعد "من يفتقرون إلى جذور راسخة هناك"، من وجهة نظر الرئيس التنفيذي لمركز "غلف ستيت أناليتيكس" جورجيو كافييرو.
أما بالنسبة لميليسا لانغورثي، الباحثة من مركز "إنكلودوفيت" التي درست قضايا التجنيس في الخليج، فإن النساء المُجنسات "يُقال لهن بوضوح إنهن لسن أمثل مُنتجات لهذه الأمة ".
وقالت لمى بأسف شديد "لاحقونا نحن الأمهات، أساس الأسرة، ونواة المجتمع... لم يأخذوا بعين الاعتبار أننا أمهات وجدّات أبناء هذا البلد".
مواطنات كويتيات فقدن كل حقوقهن الاجتماعية
في البداية، قُدّمت هذه الحملة على أنها مبادرة تستهدف المحتالين الذين يستغلون المزايا السخية التي تقدمها الكويت، ولهذا لاقت ترحيبا أوليّا واسعا. لكن سرعان ما انقلب الوضع.
وقال رجل كويتي سُحبت من زوجته الجنسية إن الحكومة "ساوت بين البريئات والمحتالات". وشرح كيف أن المعاش التقاعدي لزوجته التي كانت موظفة حكومية مُعلّق منذ أكثر من ستة أشهر، مضيفا أن قرضها المصرفي جُمّد.
وتساءل "ما الرسالة من التحريض على العنصرية ومعاملتهن بشكل غير عادل؟".
هذا فيما وعدت السلطات بمعاملة تلك النساء معاملة مواطنات كويتيات والإبقاء على مزاياهن الاجتماعية، لكن المتضررات بقين في النهاية بلا جنسية وفقدن كل حقوقهن السياسية.
في الإطار، يقول المحلل كافييرو "ربما تسعى القيادة الكويتية إلى تقليص عدد المواطنين بهدف تشكيل فئة ناخبة أصغر حجما وأكثر قابلية لإدارتها سياسيا".
المصدر: مونت كارلو الدولية
أقرأ ايضاً
- الكويت: تجُرّد حوالي 42 ألف من جنسيتهم
- العيون شاخصة نحو "المحكمة".. مياه "خور عبد الله" تعيد السجال بين العراق والكويت
- منها 100 ألف عامل مصري.. قفزة قياسية بالاتفاقات الاقتصادية بين العراق ومصر