
وسط حرب مدمِّرة، يحاول العراق النأي بنفسه عن عاصفة الصواريخ الإيرانية والطائرات الإسرائيلية المارة عبر أجوائه، أو الخروج منها بأقل الأضرار، ويتصرف بخطوات دبلوماسية صعبة تشبه “السير على حبل مشدود”، لأن جملة من التحديات والمخاطر قد تجره إلى الصراع المباشر، منها وجود فصائل مسلحة مرتبطة عقائديا بإيران وضغط الشارع المنقسم بين تأييد الجارة الشرقية والنأي بالنفس عن حروبها، وسط محاولات إسرائيل لجره إلى الحرب، وفقا لمراقبين.
وعاشت منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية، في حقل من النار، فبعد هجوم إسرائيلي مفاجئ فجر الجمعة الماضية، على العاصمة طهران ومدن عديدة في إيران، استهدفت خلالها قيادات كبيرة ومنشآت عسكرية ونووية، جاء الرد الإيراني، ليصعق تل أبيب، بوابل من الصواريخ الباليستية، إيذانا باستمرار القصف جدالا بين الطرفين حتى هذه اللحظة، في ظل تحذيرات من اتساع رقعة الحرب.
ويقول المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، إن “العراق يبذل جهودا حثيثة لتجنب الانخراط المباشر في الصراع الدائر بين إيران والكيان الصهيوني، مستندا إلى عدة اعتبارات استراتيجية وأمنية ودبلوماسية، لكن مدى نجاحه في ذلك يرتبط بعدة عوامل داخلية وخارجية”.
ويضيف الهلالي، أن “الحكومة، في ظل قيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تسعى إلى ضبط الساحة الداخلية ومنع تحويل العراق إلى ساحة تصفية حسابات، وتفعيل المسار الدبلوماسي من خلال الطلب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعدم السماح باستخدام الأجواء أو الأراضي العراقية لتنفيذ هجمات من أو على أي طرف، والتأكيد على سياسة النأي بالنفس عن المحاور الإقليمية والدولية المتصارعة”.
وكان السوداني قد عبر خلال استقباله سفير الاتحاد الأوروبي لدى العراق، توماس سيلر، أن العراق ما زال يبذل أقصى درجات ضبط النفس، ويحرص على الابتعاد عن الصراعات الإقليمية، مقدما مصلحة الشعب العراقي.
ويردف المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، أن “الحكومة رغم هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، منها وجود فصائل مسلحة لها ارتباطات عقائدية أو سياسية مع إيران قد تدفع نحو الرد أو التورط في حال تصعيد الصراع، كذلك الاختراقات المتكررة للأجواء العراقية من قبل طيران غير معروف الهوية، تُتهم أحيانا إسرائيل أو الولايات المتحدة بالوقوف خلفها، وكذلك ضغط الشارع العراقي المنقسم بين قوى تدعم المقاومة الإقليمية وأخرى ترفض التورط في حروب ليست من مصلحة العراق”، على حد تعبيره.
ويشير الهلالي، إلى أن “العراق الذي يعد ممرا جغرافيا مهما لأي تصعيد عسكري في المنطقة، في وضع حساس للغاية، والتحركات العراقية في المؤسسات الدولية تعكس إدراكا عاليا للخطر، لكنها تصطدم أحيانا بضعف فعالية الأمم المتحدة في ردع الخروقات، وعليه فإن الفرص والتحديات أمام العراق لربما تكون كبيرة، فإذا نجحت الحكومة في إقناع الأطراف الدولية بعدم الزج بالعراق في هذا الصراع، فقد يعزز ذلك مكانته كطرف محايد قادر على لعب دور وساطة”.
أما التحديات، فيؤكد الهلالي، أن “أي هجوم إسرائيلي على أهداف داخل العراق، أو رد فعل من فصائل عراقية على إسرائيل، قد يجر البلاد إلى دوامة جديدة من التصعيد”.
ويخلص إلى أن “العراق يحاول باجتهاد ألا يكون جزءا من صراع إيران والكيان الصهيوني كما نجح في السابق، وخصوصا بعد أحداث السابع من (تشرين الأول) أكتوبر، لكنه يسير على حبل مشدود، ونجاحه في ذلك يتوقف على: مدى التزام الفصائل الداخلية بسياسة الدولة، قوة الردع الدبلوماسي التي تستطيع الحكومة فرضها، قدرة المؤسسات الأمنية على ضبط الأرض والسماء، ودعم المجتمع الدولي لسيادة العراق”.
وفجر الجمعة الماضي، شنت إسرائيل قرابة 10 موجات من الغارات الجوية على العمق الإيراني، في إطار عملية عسكرية غير مسبوقة تستهدف منشآت نووية وعسكرية حساسة، وسط إعلان عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، في أكبر ضربة تطال البنية القيادية للنظام منذ سنوات.
وردا على ذلك، أعلن الحرس الثوري الإيراني، مساء الجمعة الماضي، انطلاق عمليات “الوعد الصادق 3” للرد على الهجمات الإسرائيلية، ومازالت الحرب الصاروخية قائمة حتى ساعة كتابة هذه التقرير.
وكان السوداني، قد استقبل الجمعة، القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق ستيفن فاجن، وقائد قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش الجنرال كيفن ليهي، في أعقاب هذه التطورات، وجدد رفضه لاستخدام أراضي العراق أو مجاله الجوي في تنفيذ أعمال عدوانية ضد أي دولة مجاورة، فيما أكد حق البلاد باتخاذ الإجراءات القانونية بهذا الشأن.
وأكد من جهته، القائم بالأعمال موقف الولايات المتحدة المعلن بعدم المشاركة في الهجوم بأي شكل من الأشكال، مشيرين إلى حرص بلادهم على عدم إدخال العراق في الصراع طبقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين.
إلى ذلك، يجد الباحث في الشأن السياسي فلاح المشعل، أن “الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران هي حرب تصادم استراتيجيات ومصالح، تقوم على مبدأ من يحرز التفوق في المحيط الإقليمي المهم في الشرق الأوسط والعالم”.
ويضيف المشعل، أن “موقع العراق الجيوسياسي بين الدولتين جعل أجواءه ممرا للمقذوفات والصواريخ والطائرات الحربية التي يتبادلها الطرفان بعنف غير مسبوق، ورغم إدانة العراق للاعتداء الإسرائيلي، إلا أنه حافظ على موقف عدم التدخل في الصراع”.
ويستدرك، أن “ما يثير القلق تصريح بعض الفصائل المسلحة الموالية لإيران عن جهوزيتها لخوض المعركة ضد إسرائيل، وإذا ما حدث ذلك، فإن العراق سيكون معرضا لهجمات إسرائيلية تستهدف البنى التحتية ومقرات ومراكز السلطة والفصائل وكذلك مراكز الطاقة ومحطات الكهرباء”.
ويرى الباحث في الشأن السياسي، أن “دور حكومة السوداني يكمن في حث الجهود لبقاء العراق بعيدا عن المشاركة في الحرب، وتحت أي ظرف كان، وذلك لعدم قدرة العراق على خوض حرب كبرى ضد قوى عاتية بعد مشوار طويل في حروب أنهكته وجعلته يرزح تحت واقع ثقيل من الأزمات والفساد أيضا”.
وتقدمت وزارة الخارجية العراقية، الجمعة، بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي أدانت فيها اختراق إسرائيل لمجالها الجوي في تنفيذ “اعتداءات عسكرية في المنطقة”، بحسب تعبيرها.
كما أجرت بغداد اتصالات مع كل من طهران وواشنطن للنأي بنفسها عن النزاع العسكري الدائر بين إيران وإسرائيل، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، السبت الماضي، عن مسؤولين رفيعين.
وقال مسؤول عراقي أمني كبير لوكالة الأنباء الفرنسية طالباً عدم كشف هويته، إن بغداد طلبت من طهران تجنّب استهداف المصالح الأميركية في أراضيه، موضحاً: “تم الطلب، ووعدنا الإيرانيون خيراً”. وأضاف: “إيران متفهمة للطلب العراقي”.
من جهته، يجد المحلل السياسي غالب الدعمي، أن “من الصعوبة بمكان للعراق أن يتجنب الوضع الحالي، إذ لا بد من أضرار ومخاطر تصيبه، أولها في ما لو فكرت إيران بإغلاق مضيق هرمز، وهذا يعني أن العراق سيتوقف عن تصدير النفط، الأمر الذي يؤدي إلى ارتدادات غير محسوبة محليا، لأنه المصدر الوحيد والممول الأول للرواتب وبانقطاعه قد تحدث فوضى غير اعتيادية”.
ثاني المخاطر، يضيف الدعمي، “في حال تدخل الفصائل لصالح إيران، فإن العراق سيتعرض إلى هجمات إسرائيلية وربما أمريكية إذا ما وجهت الفصائل ضربات إلى قواعد الولايات المتحدة في العراق”، مشيرا إلى أن “الخطر الثالث يكمن في إرادة إسرائيل إذا كانت ترغب بحشر العراق في الأزمة وقامت بتوجيه ضربات كبيرة لمواقع ومفاصل وشخصيات في العراق، خاصة أن إسرائيل تتعامل فوق القانون حاليا ولا شيء يردعها”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- العراق بين نيران التصعيد الإسرائيلي الإيراني.. ثلاثة أهداف تُرسم في الخفاء
- زواره من اسيا واوروبا... "البهلول" مرقد يشكو من الاهمال العمراني والاعلامي
- إحصائيات: العراقيون ينفقون 6 مليارات دولار سنوياً على السفر خارجياً.. والبلد لا يستثمر سياحته