- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دعوات السكان لشراء الطاقة الشمسية هل تمثل بديلا عن الكهرباء الوطنية؟

بقلم: صادق الازرقي
في يوم الخميس 8 مايس وقبل ايام من اشتداد موجة الحر وبداية الموسم المعتاد لانقطاع الكهرباء الوطنية، أعلن وزير الكهرباء زياد علي فاضل، إطلاق الرابط الإلكتروني الخاص بقرض شراء المنظومات الشمسية للسكان ضمن مبادرة البنك المركزي العراقي، مشيرا الى أن هذه الخطوة تأتي تنفيذا لتوجيهات رئيس الوزراء بتنويع مصادر الطاقة، وتخفيف الضغط على الشبكة الوطنية، بحسب بيان المكتب الإعلامي لوزير الكهرباء.
وترافق ذلك مع حملة من الحكومة العراقية و مؤسسات الوزارة لتشجيع الناس نحو شراء منظومات الطاقة الشمسية.
و في ظل النقص المزمن في الكهرباء الوطنية وارتفاع تكاليف هذه المنظومات وجهل الكثيرين بطريقة استعمالها، والمخاوف المتراكمة من إجراءات المصارف البيروقراطية لتسليم القروض والقلق من تبعاتها واستقطاعاتها لاسيما لفقراء وذوي الدخل المحدود، أثيرت تساؤلات جدية بشأن دوافع الحكومة ومدى جدوى هذا التوجه، وفسره البعض بانه تهرب من المسؤولية وإقرار بالفشل، على حد وصفهم.
ومن المرجح أن تكون هذه الحملة مزيجا من عدة عوامل، من ذلك، التهرب من المسؤولية، اذ لا يمكن إنكار أن النقص الحاد في الكهرباء الوطنية هو مشكلة متأصلة في العراق منذ سنوات طويلة، ويعزى ذلك إلى ضعف البنى التحتية، و الفساد، وعدم كفاية الاستثمارات، والنمو السكاني وتهالك الشبكة ورداءة الأسلاك التوزيع؛ و قد تكون هذه الحملة محاولة لتحميل جزء من عبء توفير الكهرباء على عاتق السكان، بدلا من معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.
وبحسب ما يجمع عليه مراقبون ومختصون، تشير هذه الخطوة بشكل غير مباشر إلى أن الحكومة قد وصلت إلى مرحلة من اليأس في قدرتها على توفير الكهرباء على مدار الساعة لجميع السكان بالطرق التقليدية في المدى القريب، ولو كانت الحكومة تمتلك حلولا دائمة وفعالة لمشكلة الكهرباء، لما لجأت إلى هذا الحل الذي يفرض عبئا ماليا كبيرا على الناس ويفتقر إلى التغطية الشاملة، اذ يفترض ان تتكفل الحكومة ذاتها ببناء محطات واسعة و مناطقية لتأمين الكهرباء من الطاقة الشمسية وبحسب الكثافات السكانية، مثلما فعلت الكويت مثلا في الثالث من حزيران 2025، بطرح وثائق مناقصة مشروع الدبدبة لتوليد الطاقة الكهربائية ومشروع الشقايا للطاقات المتجددة (المرحلة الثالثة – المشروع الأول)، بقدرة 1100 ميغاواط، أمام الشركات المؤهلة في منتصف شهر حزيران 2025.
وتنوه بعض التأويلات الى الشك بتواجد ضغوط دولية على العراق، أو فرص للحصول على تمويل ودعم لمشاريع الطاقة المتجددة، مما يدفع الحكومة لتبني هذا التوجه حتى لو لم تكن البنية التحتية والوعي المجتمعي مهيئين لذلك بشكل كامل.
وهنا يجب القول ان الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لا توفر بديلا مكتملا عن الكهرباء الاعتيادية (المحطات والأعمدة والأسلاك..الخ) في الوقت الحالي، بخاصة في اوضاع العراق، وذلك لعدة أسباب، منها التكلفة الباهظة، اذ تتطلب المنظومات الشمسية مبالغ كبيرة لشرائها وتركيبها، مما يجعلها بعيدة عن متناول شريحة واسعة من السكان، لاسيما الفقراء و ذوي الدخل المحدود.
وبما ان الطاقة الشمسية تعتمد بشكل كلي على أشعة الشمس، فلا يمكنها توفير الكهرباء ليلا أو في الأيام لغائمة، مما يتطلب تواجد نظام تخزين للكهرباء (بطاريات) وهو ما يزيد من التكلفة والتعقيد لدى الناس، أو الاعتماد على مصدر طاقة آخر كبديل، مثل المولدات المنزلية وكذلك البقاء ضمن خطوط مولدات الشارع.
و تتطلب المنظومات الكبيرة التي يمكن أن توفر طاقة كافية مساحات واسعة للتركيب، وهو ما قد لا يتوفر للجميع، كما ان المنظومات الشمسية تستدعي صيانة دورية وقد يجهل كثيرون كيفية التعامل معها، ما يستلزم توفير ملاكات فنية متخصصة ومتاحة وبالنتيجة زيادة تكاليف الأسرة.
و حتى لو انتشرت المنظومات الشمسية، فإنها لا تحل مشكلة عدم استقرار الشبكة الوطنية الرئيسة التي يحتاج اليها كثيرون لتشغيل الأجهزة الكبيرة أو كدعم احتياطي؛ وفضلا عن ذلك فان المنظومات الشمسية المنزلية الفردية لا يمكنها توفير مستوى الطاقة المستمر والموثوق نفسه، الذي توفره محطات التوليد الكبيرة والمتصلة بشبكة وطنية قوية.
و يخلص المختصون الى القول، انه فيما تعد الطاقة الشمسية حلا واعدا ومهما على المدى الطويل كجزء من مزيج الطاقة، إلا أنها في الوقت الحالي لا تمثل بديلا كاملا للكهرباء الوطنية في العراق.
ويجمعون على القول إن حملة وزارة الكهرباء، في ظل الظروف الراهنة، تظهر كحل ترقيعي ومحاولة لتخفيف الضغط عن الحكومة، أكثر منها استراتيجية شاملة ومدروسة لحل أزمة الكهرباء المزمنة في البلاد؛ وان لأمر يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية، ومكافحة الفساد، وتخطيطا استراتيجيا طويل الأمد يجمع بين مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة، إلى جانب توفير الدعم المطلوب لتدريب السكان لتبني هذه التقنيات الجديدة.
و تعاني الشبكة الكهربائية في العراق من تدهور البنية التحتية وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي، ويعتمد العراق بشكل كبير على الغاز الإيراني، مما يجعله عرضة للعقوبات الأمريكية التي تحد من إمدادات الغاز، وفضلا عن ذلك، يواجه العراق تحديات في إدارة الموارد وصعوبة تنويع مصادر الطاقة.
و مع تزايد عدد السكان والنمو الاقتصادي، يزداد الطلب على الكهرباء بشكل كبير، مما يزيد من الضغط على الشبكة الكهربائية.
ويحرق العراق كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، مع إمكانية استعمالها لتوليد الكهرباء بشكل إضافي، ولكنه عجز عن ذلك طيلة اكثر من عشرين عاما وفضل الغاز المستورد وهي مفارقة غريبة وغير منطقية بحسب المختصين.
ويتفق الجميع على ان الفساد طالما شكل عقبة كبيرة في قطاع الكهرباء، اذ يضعف قدرة الحكومة على تحصيل فواتير المستهلكين وجمع الإيرادات، ويمنع استثمار الموارد، وحتى يعرقل تحسين الشبكات القائمة.
وفي ايلول 2024 أطلق رئيس مجلس الوزراء العراقي الأعمال التنفيذية في 3 مشروعات للدورة المركبة في قطاع الكهرباء، وذلك في محافظات بغداد وديالى والأنبار، وذلك ضمن المساعي لزيادة عدد المحطات لتوفير الكهرباء للسكان.
وفي شهر آذار 2025 قال وكيل وزارة الكهرباء لشؤون الإنتاج، محمد نعمة، أن إنتاج الطاقة الكهربائية سيبلغ 27 ألف ميغاواط بعد استكمال جميع برامج الصيانة المستهدفة لهذا الموسم، وأوضح أن جميع البرامج تحت السيطرة، اذ جرى استكمال أكثر من 75% من برنامج الصيانة، مما يجعل المحطات في وضع الجهوزية خلال الصيف الحالي، بحسب قوله.
أقرأ ايضاً
- الإبلاغ الرقمي عن المخالفات: تأثير المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي على بدء الملاحقات الجنائية.
- هل برشلونه عربيه؟
- هل ان الشعب العراقي سعيد ؟