
كلما ينخفض منسوب المياه في العراق، تتعالى الأصوات المطالبة للحكومة بمقاطعة تجارية لدول المنبع، وتحديدا تركيا، لكن الحكومة العراقية لا تضع هذا الإجراء ضمن خياراتها لأسباب عديدة.
وفي تطور خطير، كشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، عن تراجع الإيرادات المائية في نهري دجلة والفرات إلى مستوى دون 50%، فضلا عن انخفاض الخزين المائي في السدود الى النصف ايضا، داعية رئيس الوزراء، محمد السوداني لتفعيل الورقة التجارية للضغط على تركيا.
وقالت عضو اللجنة، ابتسام الهلالي، إن “الخزين المائي للسدود والإيرادات المائية في نهري دجلة والفرات انخفضت إلى مستوى دون 50%، نتيجة قلة الأمطار وانخفاض الإطلاقات المائية للمياه من قبل دول الجوار”، مضيفة أن “الخزين المائي للسدود انخفض إلى دون 50% وخصوصا سد دوكان الذي انخفضت نسبته إلى مليار و600 الف متر مكعب، بعد أن كان 4 مليارات متر مكعب من المياه في الأعوام الماضية”.
وأردفت، أن “شبح الجفاف يلوح في الأفق، نتيجة العوامل السياسية والبيئية وعدم توصل الدبلوماسية العراقية إلى حلول، لإنهاء أزمة المياه مع الجانب التركي والإيراني”، لافتة إلى أن “العراق اتفق في وقت سابق مع الجانب التركي على إطلاق 500 متر مكعب بالثانية يوميا من المياه، لكن الجانب التركي لم يلتزم بالاتفاق”.
ووجدت أن “الحكومة، وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، مطالب اليوم باستخدام التجارة والاستثمار كورقة ضغط على تركيا، لزيادة الاطلاقات المائية على الأنهر”.
وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية، نتيجة التغير المناخي، والسبب الثاني يعود إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، بسبب سياسات مائية لإيران وتركيا.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة البنك الدولي، بحلول العام 2040، “سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار، كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا، فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخضر وشامل”، أي ما يساوي نسبة 6 بالمئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.
وكشف وزير الموارد المائية، عون ذياب، في 27 آيار الماضي، عن اتفاق عراقي تركي على إطلاق 500 متر مكعب في الثانية من مياه نهر الفرات يوميا، لكن ذلك لم يكن كافيا.
يشار إلى أن العراق يتصدر بصورة مستمرة، قائمة المستوردين لأغلب السلع التركية، وغالبا ما تصدر بيانات تركية تفيد بحلول العراق في مراتب متقدمة، غالبا كثاني أو ثالث المستوردين لمختلف أنواع السلع، ومنها المواد الغذائية والمنتجات الزراعية والأخشاب، وحتى المكسرات.
وكان جهاز الإحصاء التركي، نشر قبل أيام تقريرا، كشف فيه عن ارتفاع قيمة استيرادات العراق من تركيا للربع الأول من السنة الحالية بنسبة 27 بالمئة، مقارنة مع الربع الأول من 2021، لتصل قيمة المواد المستوردة إلى 2.7 مليار دولار، وارتفعت قيمة الأغذية المستوردة بنسبة 63 بالمئة، وقيمة المشروبات والتبوغ بنسبة 101 بالمئة، فيما مثلت استيرادات العراق من الأغذية والحيوانات ما نسبته 32 بالمئة من مجمل الاستيرادات.
وكان الخبير الاقتصادي والمالي، همام الشماع، أكد في تصريح سابق، أن “استخدام الورقة الاقتصادية ضد تركيا ممكن أن يكون وسيلة ضغط قوية، إذا ما طبقت هذه الورقة بالشكل الصحيح والحقيقي؛ ويجب أن تكون هناك مقاطعة بشكل كامل، وليست مقاطعة جزئية عن طريق بعض المنافذ والتجار، وإذا تمت المقاطعة بشكل حقيقي، فهناك بدائل للبضائع التركية، سواء من المواد الغذائية أو المواد المصنعة، من دول كثيرة”.
يشار إلى أن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، قد افاد مؤخرا، بأن العراق فقد نحو 30 بالمئة من الأراضي الزراعية المنتجة للمحاصيل، بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة.
وكان المتحدث باسم وزارة الموارد المائية في العراق، خالد شمال، أكد في 20 آيار الماضي، أن النقص في المياه أسوأ من عام 2024، وسيجبر السلطات على تقليص مساحة الأراضي الزراعية هذا الصيف.
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر منذ 5 سنوات على الأقل، تنتقد بغداد بانتظام السدود التي بنيت على النهرين في بلدي المنبع تركيا وإيران، والتي أدت إلى انخفاض كبير في مستوى النهرين، اللذين يشكلان المصدر الأساسي للمياه في العراق، بحسب وكالة فرانس برس.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي، بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويبدو أن الحكومات العراقية، على مدى قرن مضى، فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين، يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
وكشف مؤشر جفاف التربة SPI لمنطقة الشرق الأوسط لشهر كانون الأول 2024، وجود جفاف حاد ومتطرف لعموم مناطق العراق (ما بين 1.6-1.8) عن الحد الطبيعي، حسبما أفادت به هيئة الأنواء الجوية العراقية.
ولوح العراق، في 24 كانون الأول 2024، بتدويل قضية أزمة المياه مع تركيا عبر المحاكم الدولية، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء بهذا الشأن حتى الآن.
وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي، بختيار أمين، أكد في تصريح سابق، إن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه”.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية، إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى استراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.
أقرأ ايضاً
- إحصائيات: العراقيون ينفقون 6 مليارات دولار سنوياً على السفر خارجياً.. والبلد لا يستثمر سياحته
- قانون الانتخابات للواجهة مجدداً.. سباق الزعامات يفرض تعديل "اللحظة الأخيرة"
- أسعار السلع لا تتأثر بانخفاض الدولار.. وإجراءات الحكومة "بلا جدوى"