حجم النص

بقلم: إياد مهدي عباس.
لابد لنا ان نستذكر باهتمام بالغ ذكرى فتوى الجهاد الكفائي الخالدة التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف والتي شكلت منعطفاً تاريخياً استثنائياً في حياة العراقيين كافة على مختلف أديانهم وقومياتهم ، فبعد سقوط النظام الديكتاتوري المباد على يد القوات الأمريكية وحلفائها تعرض العراق الى موجة واسعة من الأعمال الأرهابية من قبل تنظيمات رديكالية متطرفة مدعومة من قبل دول ومنظمات عالمية تهدف الى زعزعة أمن المجتمع العراقي وإحداث تغيرات ديمغرافية في بنيته السكانية من خلال تمزيق نسيجه الأجتماعي وضرب وحدته الوطنية كي تسهل بعد ذلك تمرير مخططاتها الأرهابية المشبوهة ودق أسفين الفرقة بين مكوناته، فكانت بداية أعمالهم الأرهابية قتل الأبرياء بواسطة السيارات المفخخة والعبوات الناسفة بالأضافة الى تجنيد مجاميع مجرمة قامت بحملة تصفيات جسدية على أساس طائفي طالت شخصيات سياسية ودينية واجتماعية عديدة شملت جميع مناطق العراق وخصوصاً مناطق الوسط والجنوب من أجل زرع الفتنة الطائفية بين مكونات الشعب العراقي خدمةً لأجندات خارجية لا يروق لها أن ترى العراقيين يعيشون في وئام وانسجام مستغلة في ذلك بعض الثغرات الأمنية ومستعينة ببقايا فلول النظام السابق التي شكلت حواضن لها في بعض مناطق انتشارها فطالت هذه العمليات الأرهابية كافة مرافق الحياة العامة في هذه المناطق كالأسواق والمدارس والمستشفيات والمقاهي والمساجد وغيرها من الأماكن التي يرتادها الناس مستندة في ذلك الى فتاوى تكفيرية اقصائية دخيلة على مجتمعنا العراقي صادرة من رجال دين مأجورين مهمتم نشر الفتنة والكراهية بين مكونات الشعب العراقي المختلفة فأباحت لهم قتل الأبرياء بدمٍ بارد اذ ذهب ضحية هذه الأعمال الأجرامية مئات الالاف من سكان هذه المناطق اكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ، وقد نجحت هذه التنظيمات الأرهابية في السيطرة على بعض المحافظات الشمالية والغربية من العراق مدعومة من قوى خارجية وبمساعدة بعض العملاء من الداخل وبعد إعلان التنظيم عن دولته في العراق وبلاد الشام والتي قامت على مبدأ التطهير الديني والعرقي للأقليات في تلك المحافظات ونشر الرعب بين سكانها كانت المرجعية الدينية في النجف الأشرف تراقب التطورات الحاصلة في هذه المحافظات عن كثب وأهتمام كبير وبعد سقوط تلك المحافظات بيد داعش والكشف عن نية التنظيم في احتلال بغداد واسقاط النظام السياسي الجديد فيها جاءت فتوى الجهاد الكفائي من المرجعية الدينة في النجف الأشرف وعلى رأسها سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (حفظه الله) وذلك في يوم الجمعة المصادف 13 حزيران من عام 1914 لتقطع الطريق أمام هذه التنظيمات الأرهابية وافشال مخططها الخبيث واسقاط رهانات داعش الرامية الى أحتلال العاصمة العراقية بغداد ، فشكلت فتوى المرجعية علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث كونها صدرة في فترة زمنية مفصلية من حياة العراقيين فكانت بمثابة صرخة مدوية بوجة الظلم والأرهاب أيقظت ضمير الأنسانية واستنهضت همم الأحرار في كل مكان فهب العراقيين بمختلف فئاتهم العمرية وشرائحهم الأجتماعية للذود عن حياض الوطن ودحر العصابات التكفيرية فقدم العراق الاف الشهداء من ابنائه في سبيل تحرير تلك المحافظات من هيمنة العصابات الأجرامية وتحرير الأرض وحفظ العرض من دنس المعتدين الدواعش، وبما ان صوت المرجعية كان محل ثقة الشعب العراقي لذا حظيت فتوى الجهاد الكفائي بتأييد رسمي ودولي واسع النطاق اذ ساهمت تلك الفتوى الخالدة بشكل مباشر في خلق بيئة أجتماعية داعمة للقوات الأمنية الوطنية ما سهل ذلك أنبثاق الحشد الشعبي المقدس والحشد العشائري اللذين أصبحا فيما بعد الظهير والسند القوي للقوات المسلحة العراقية . فلم تكن فتوى الجهاد الكفائي ضد عصابات داعش الأجرامية هي الاولى في تاريخ الحوزة العلمية في النجف بل سبقتها فتوى جهادية أخرى في عشرينيات القرن الماضي أثناء تعرض العراق للأحتلال البريطاني ونتج عن تلك الفتوى قيام ثورة العشرين التي ساهمت في دحر الغزاة وإعلان تشكيل الحكومة العراقية الاولى ، فكانت المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف وما زالت تمثل صمام أمان العراقيين كافة ، واليوم علينا جميعاً أن نستلهم الدروس من تلك الفتوى المباركة في توحيد الصف والوقوف سداً منيعا بوجه كل من يحاول النيل من وحدتنا الوطنية والعبث في أمننا القومي وان نستخلص العبر من تلك الأحداث الأليمة التي لم تزل أثارها في ذاكرة العراقيين ويجب علينا ان لانسمح بتكرار أخطاء المرحلة السابقة مهما كان السبب كي نكون ضمن مصداق الحديث النبوي الشريف( لايُلدَغ المؤمن من جحرٍ مرتين) .
أقرأ ايضاً
- فتوى الجهاد الكفائي وآثارها الإصلاحية على الأفراد
- فتوى الدفاع المقدس والوعي الجمالي
- النجف تصدّت والجماهير لبّت والفتوى انتصرت