- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحجاب ولغط اللاهثين.. والحديث عن استهداف العباءة العراقية

بقلم: علي الراضي الخفاجي
ليس الإسلام أول من فرض الحجاب، بل فرض حتى في نصوص كتب المسيحية واليهودية، ولذلك نرى الراهبات يرتدين ثياباً محتشمة ويغطين رؤوسهنَّ، وهكذا تظهر رسوم القديسات، وعلى رأسهنَّ السيدة مريم العذراء عليها السلام، فمن الغريب حقاً إلقاء التهم على الإسلام وأنه فقط منْ أمر المرأة بالحجاب، ومانسبته أوربا للسفور والتبرج إلى المدنية والحضارة ماهو إلا زيفٌ، فإنَّ مايقع فيها الآن من انحراف عن الطبيعة والفطرة أخذت نتائجه تتفاقم بكثرة حوادث الاغتصاب وانتشار الأمراض الجسدية والنفسية والاجتماعية، وهو نتيجة طبيعية للانحلال، كما أنه السبب الرئيس في ضعف الاشتياق إلى المرأة والميل نحو الشذوذ.
وقد فسر البعض أسباب ارتداء الحجاب أنه نزوع إلى ترويض النفس والرَّهبنة، في حين قال تعالى((قُلْ منْ حرَّمَ زينةَ الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرِّزق)).الأعراف/32، أو يكون التبرير إنعدام العدالة الإجتماعية من خلال سيادة الأب وتسلط الرجل أو أنانيته، وفي الحقيقة ما هذه الفلسفات إلا تبريرات وضعها مرضى القلوب، لتبرير فسادهم أو إظهار عقدهم بدعوى الدفاع عن حرية المرأة وكرامتها كما فعلته نوال السعداوي التي اعتبرت تعاليم الدين أحدوثة، والواقع إنَّ من يقرأ عن حياتها وأفكارها يعرف أنها كرهت نفسها لأنها امرأة وكرهت الرجل لأنه رجل؛ لما عانته من ضغوط بيئية وعقد نفسية.
وعن هدف الحجاب وغايته يقول تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله((يأيها النبيُّ قُلْ لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنينَ عليهنَّ من جلابيبهنَّ..)).الأحزاب/59، وقال((قُلْ للمؤمنين يغضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم..))و((وقُلْ للمؤمنات يغضُضْنَ من أبصارهنَّ ويحفظنَ فرُوجهنَّ ولايُبدينَ زينتهنَّ إلا ماظهر منها وليضْربنَ بخمرهنَّ على جُيوبهنَّ..)).النور/30-31.
فالأمر في الآيتين واضح في توجيه المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر وحفظ الفروج، والغاية كما يقول عنها سبحانه((ذلك أزكى)) أي أطهرُ وأعفُّ وأبعد للتهمة، وزاد عليه النهي عن إظهار الزينة درءاً للفتنة إلا ماظهر منها كالوجه والكفين؛ لأجل التعامل وأداء الصلاة والحج وغير ذلك من الأغراض، وجوَّز للمرأة في الآية أن تكشف شعرها وساعديها وبعض زينتها أمام محارمها وأمام الطفل الصغير.
واستثنى سبحانه من الزينة بقوله ((إلا ماظهر منها))، وإن اختلفوا في الزينة الظاهرة بين الثياب الخارجية أو مايضاف من كحل أو خضاب أو خواتم ونحوها أو الوجه والكفين فقط، وتستطرد الآية فتقول:((وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ))، أي على المرأة أن تمدَّ غطاء رأسها ليغطي رقبتها وصدرها، كما ورد في التفاسير المعتبرة.
والجيب يعني فتحة القميص والثوب، وهو كناية عن الصدر، أما الخمار فهو غطاء للرأس صغير، والجلباب غطاء للجسم كبير، ولذلك لايمكن سحب غطاء الرأس بحيث يتدلى كالستارة ويغطي الوجه وأطراف العنق والشعر والصدر، فقد ورد إنَّ المرأة قد أمرت بإرخاء غطاء الرأس على صدرها حتى تستر عنقها وماحوله، وإنها كانت تسدل غطاء الرأس إلى الخلف فكان الصدر يبقى مكشوفاً.
ولا يخفى إنَّ التركيب اللغوي للضرب هو: وضع شيء على شيء، بحيث يكون حاجباً وساتراً له، كما جاء في الكشاف في تفسير الآية((فضربنا على آذانهم)) الكهف/11، أي ضربنا عليها حجاباً من أن تسمع.
فلم يكن تشريع الدين للحجاب الإقلال من شأن المرأة وامتهانها، وإنما أراد تحصينها من الفتنة، وجعلها بعين الرجل كريمة وعزيزة، حتى جعل الإسلام الرجل في بيته قوَّاماً على خدمتها، فقال تعالى((الرِّجالُ قوَّامونَ على النساء)).النساء/34.
إنَّ الحجاب الحقيقي هو مايخفي الشيء، فقد جاء في قصة سليمان عليه السلام عندما عرضتْ عليه الجياد وغربتْ عنه الشمس، قال تعالى((حتى توارتْ بالحجاب)). ص/32، كما لو اختفت الشمس وراء ستار، دون أن يبقى من قرصها شيء، والحجاب بهذا المعنى لايمكن إطلاقه على جزء مما ترتديه المرأة دون غيره؛ لأنَّ الغرض منه إخفاء الجسد(الزينة)إلا ماظهر منها، وهو ماتفرضه طبيعة الحركة ودور المرأة في المجتمع على أن لاتظهر مُتبرِّجة لجذب الأنظار إليها، فإنَّ أكثر الحجاب الشائع هذه الأيام يعدُّ نوعاً من التبرُّج، فقد تكون المرأة مُحجَّبة في نظرها، ولكنها مُتبرِّجة في نوع الحجاب وماتضعه من ألوان لافتة، وعطر جاذب، وحركات مؤثرة وطريقة كلام مغرية، فالحجاب في مفهومه الأوسع يشمل حتى صوتها، يقول تعالى((فلا تخضعنَ بالقول فيطمعَ الذي في قلبه مرضٌ وقُلنَ قولاً معروفاً)).الأحزاب/32، فأراد الإسلام للمرأة بذلك أن تكون أميرة دون إمارة، يُهابُ من حيائها ويُخشى عليها من كلِّ طارئ.
لقد ظهرت -للأسف- بعض الممارسات المخالفة لمنطق وفلسفة الحجاب كتغطية الرأس أو بعضه، مع لبس البنطلون أو القصير، أو مع وضع المساحيق والألوان، مما يجعل البعض يُسميهنَّ -جهلاً- مُحجَّبات، في حين مايقتضيه الحجاب من ستر الجسد لايكتمل معناه إلا إذا تجرَّد من التبرُّج.
فالحجاب يُحصِّنُ النفس من تجاوز الحدود، ويُوجدُ مناعة ذاتية في الرجل والمرأة بحيث يفرض احترام إنسانية الآخر، فهو يظهر المرأة كإنسان وليس كجسد، ولاننكر أنَّ الرجل مصدر فتنة كذلك بالنسبة إلى المرأة، لكنها تتميز عنه بمفاتن جعلتها عنصر إثارة في الذهن وفي الواقع، لذا لم يفرض الإسلام الحجاب على الرجل بالشكل الذي فرضه على المرأة إلا في الحالات التي يتحول فيها إلى عنصر شاذ، أو في حال علاقته بالمرأة فيكون منحرفاً ومستدرجاً لإرادتها للوقوع في المحذور، لذا فرض الإسلام كذلك على الرجل أن يخرج إلى المجتمع كإنسان لاكذكر.
والحديث عن أنَّ ترك الحجاب يُعدُّ حرية شخصية هو مخالفة لنظام وهوية مجتمع غالبيته مسلمة، فالحجاب أساسه موجود في كل الأديان، ومن يعطي الغرب الحق أو يقلدهم في قوانينهم في منع الحجاب، فإنَّ هذا يعدُّ تدخلاً في خصوصيات الأفراد وحريتهم، فالحجاب لايُنتجُ مشكلة على صعيد الأخلاق والسلوك السويّ، ولايُوجدُ حقٌّ في أي دستور وقانون أن يمنع ذلك، وإذا كان قانون ما من طبيعته عدم فرض الحجاب فليس من حقه منعه؛ لأنه ليس ظاهرة في المجتمع الإنساني، ولابدعة في الأديان.
وأما دعوى ترك الحجاب والاعتماد على الوازع الداخلي والثقة بالنفس فهو تجربة فاشلة، ودليله مايقع من انحرافات وجرائم أكثر مما يقع في المجتمع المحافظ على الحجاب، لذا كان الانحراف جزءاً من ممارسات الفرق السلوكية الضالة، وهو عمل الشيطان يوحي فيه إلى أتباعه أنَّ التعري-مثلاً- يُعجِّلُ بالخلاص ونحو ذلك، ومثل هذه المعتقدات موجودة في المجتمع الغربي.
الحرية في الإسلام تعني أنَّ الإنسان يملك نفسه ويمارس حريته في نطاق الحدود الشرعية التي ألزمه الله تعالى بها دون أن يشذ عن قواعدها الإنسانية أو يخرج بها عن الفطرة، فقد قال سبحانه((تلك حدود الله فلا تعتدوها)).البقرة/229.
ولايريد الإسلام من المرأة بالحجاب أن تكون مبتذلة ورخيصة، بل يريد حصر جميع أنواع التلذذ الجنسي ضمن حدود الحياة الزوجية وقوانينها؛ لكي يجعل الرجل -وهو الطالب- يعمل ويجتهد للحصول على مطلوبه، ولكن ليس أقل من اجتهاده في طلب أي كنز أو جوهر ثمين، بعكس ماتقوم به النظم الغربية من مزج العمل والحياة اليومية بالمتع الجنسية الرخيصة دون قيود.
وتعبير الله تعالى عن جسد المرأة بالزينة - وهو مايخفيه الحجاب - هو أعمُّ من الحلي التي ترتديها المرأة وتنزعها كالقلائد والأساور والأقراط وغيرها من مظاهر التجميل كالكحل والخضاب وما إلى ذلك.
والغريب إنَّ السوق أصبح يبتكر أحجبة لها مُسمَّيات عديدة، ومن مناشئ مختلفة خليجية وتركية، وغيرها، حتى أصبحت أكثر رواجاً من العراقية، وهو استهداف واضح لها، خصوصاً من دعاة الحرية والتنوير؛ لما تحمله من مواصفات تنسجم مع الأغراض الشرعية إلى حد ما، كإخفاء تفاصيل جسم المرأة وحركاتها؛ ولما تختص به من إسدال المرأة لها على طول الهيئة، بعكس العباءات الأخرى التي منها ما يحكي عن التفاصيل أو يجعل المرأة تتأبط بها أوتنشغل بجمع أطرافها بالشكل الذي يجعلها غير مستقرة في المشي والحركات.
وإطلاق العباءة الزينبية يأتي من جهة التشجيع عليها والتيمُّن بنسبتها، والحق إنَّ العباءة العراقية التي نشأنا على معرفتها هي الأفضل والأقرب إلى تحقيق الغاية الشرعية في حفظ كيان المرأة وكرامتها من المتاجرة والابتذال، فإنَّ ما يبذل لأجل تغييرها من أموال تقف وراءه أجندات تعمل على تطبيق تعاليم الماسونية في المجتمع الإسلامي؛ لأجل تفريغ محتوى الرسالة التي آمن بها والوعي الذي وصل إليه.
أقرأ ايضاً
- الايراني عنيد فكيف اذا كان صاحب حق؟!!
- نسبة الرواتب في الموازنة العامة العراقية: تحليل وتحديات
- دعوات السكان لشراء الطاقة الشمسية هل تمثل بديلا عن الكهرباء الوطنية؟