- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أهمية الجانب العملي في الدراسة القانونية

بقلم: شهد رياض كريم
تُعد الدراسة القانونية من التخصصات التي تعتمد بشكل كبير على الفهم النظري العميق للمفاهيم والمبادئ القانونية، حيث يشكّل الجانب النظري الأساس الذي يُبنى عليه الإدراك القانوني. ومع ذلك، فإن الاقتصار على الدراسة النظرية دون ربطها بالواقع العملي قد يؤدي إلى فجوة كبيرة بين ما يتعلمه الطالب في قاعات الدراسة وما يواجهه في سوق العمل. فالكثير من الخريجين يصطدمون بعد التخرج بصعوبات في التطبيق، نتيجة ضعف الخبرة العملية. ومن هنا تظهر أهمية دمج الجانب العملي بالدراسة القانونية، لما له من دور فعّال في إعداد الطلبة لمتطلبات المهنة وتقليل المشكلات التي قد تواجههم عند الانتقال من الدراسة إلى الواقع المهني.
ولتحقيق هذا التوازن، من الضروري أن تتحرك كليات القانون نحو تطوير أدواتها التعليمية، بحيث لا تقتصر على المحاضرات النظرية، بل تدخل الطلبة تدريجيًا في بيئة قانونية محاكاة للواقع. من أهم ما يمكن أن يُنجز في هذا السياق، هو تطوير مادة "المرافعات الافتراضية"، بحيث تتحول إلى تجربة عملية حقيقية داخل الكلية. تخيّل لو أن كل كلية قانون تضم قاعة مرافعة مخصصة، تُحاكي المحكمة من حيث الشكل والإجراءات، ويقف فيها الطلاب لأداء أدوار المحامي والقاضي والمدعي والمدعى عليه. هذا النوع من التدريب لا يُكسبهم فقط فهمًا للإجراءات، بل يمنحهم أيضًا الجرأة والثقة في الوقوف أمام الجمهور والدفاع عن حججهم.
ولأن المحامي الناجح لا يقتصر على الترافع فقط، فإن على الكليات أيضًا أن تُنظم ورشات عمل منتظمة لتعليم الطلاب كيفية صياغة العقود واللوائح والطلبات القانونية. هذه المهارات ضرورية ومطلوبة في الواقع العملي، ولا يمكن تعلمها من خلال الكتب وحدها. كما ينبغي تدريب الطلبة على المهارات القانونية التطبيقية، إلى جانب وجوب تضمين المنهج قوانين مهمة تُمارَس بشكل يومي في الواقع القانوني، مثل قانون التسجيل العقاري، وقانون رعاية القاصرين، إضافة إلى قوانين إجرائية أخرى تهيّئ الطالب للتعامل مع أنواع مختلفة من القضايا وتُكسبه مرونة في الفهم والتطبيق.
إلى جانب ذلك، فإن الزيارات الميدانية لها دور كبير في تعميق الفهم القانوني. عندما يزور الطالب المحاكم، دوائر التسجيل العقاري، أو مكاتب المحاماة، فإنه يرى القانون كما يُمارَس على الأرض، لا كما يُشرح على السبورة. وتزداد فائدة هذه الزيارات عندما تكون مرفقة بشرح وتحليل من أساتذة القانون، الذين يربطون بين ما يُشاهد وما يُدرّس.
كما أن تنمية مهارات الدفاع والإقناع من خلال تمارين الترافع والمباريات القانونية له تأثير كبير على شخصية الطالب القانونية. فالترافع ليس مجرد سردٍ للمعلومات، بل هو فن قائم على حسن العرض، وقوة الحجة، والتواصل الفعّال. هذه المهارات تُكسب الطالب ثقة بالنفس وتهيّئه للتعامل مع المواقف الحقيقية.
ولا ينبغي إغفال أهمية تدريس قانون المحاماة للطلبة منذ المراحل الدراسية الأولى، ليكونوا على دراية بواجباتهم ومسؤولياتهم، إلى جانب تعليمهم أخلاقيات مهنة المحامي، مثل احترام السرية، الالتزام بالصدق، والحرص على العدالة. فهذه الأخلاقيات ليست مجرد قواعد مكتوبة، بل هي ما يصنع سمعة المحامي ويحفظ مكانته في المجتمع.
ختاماً..
إن تقوية الجانب العملي في الدراسة القانونية لم تعد مسألة اختيارية، بل أصبحت ضرورة تفرضها طبيعة المهنة ومتطلبات سوق العمل. فالقانون لا يُمارَس من خلال الحفظ فقط، بل بالفهم والتجربة والاحتكاك الواقعي. وكلما زادت خبرات الطالب العملية خلال دراسته، كلما كان أكثر جاهزية وثقة حين يخطو أولى خطواته في عالم المهنة. ولهذا، فإن تطوير البرامج التعليمية القانونية يجب أن يسير في اتجاه يمنح الطالب الفرصة ليكون ليس فقط باحثًا قانونيًا، بل ممارسًا محترفًا يحمل أدواته معه منذ يوم تخرجه.
أقرأ ايضاً
- القتل العمد وغير العمد: الفروق القانونية والعقوبات المقررة
- أهمية أنعقاد القمة العربية المقبلة في بغداد
- دور القضاء الحامي للحقوق والحريات في سد الثغرات القانونية التي ترد في القوانين