
على الرغم من انخفاض أسعار صرف الدولار في العراق، إلا أن أسعار السلع التي ارتفعت بارتفاعه سابقا، لم تتراجع عن قيمها العالية، وهو ما دفع الحكومة للتوجيه بمحاسبة المتلاعبين بالأسعار ومراعاة انخفاض سعر الصرف، إلا أن خبراء الاقتصاد رأوا هذه التوجيهات “بلا جدوى”، لأن العراق يعتمد اقتصاد السوق وهو ليس اقتصادا اشتراكيا توجهه الدولة، فيما عزوا استمرار ارتفاع الأسعار إلى عدم تأثر المستوردين بانخفاض سعر الصرف، لأنهم استوردوا أغلب البضائع بسعر رسمي يختلف عن سعر الدولار الموازي الذي انخفض مؤخرا.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن “معظم الصفقات التجارية الكبرى والاستيرادات العراقية من السلع من قبل المستوردين والتجار الكبار، كانت تتم عن طريق المنصة الإلكترونية قبل أن تنتقل إلى عملية تعزيز الأرصدة والمراسلة مع مصرفي الستي بنك أو جي مورغان الأمريكيين”.
ويضيف المرسومي، أن “هذه الاستيرادات كانت تتم عبر سعر الصرف الرسمي الذي يعادل 132 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، وبالتالي أسعار السلع الأساسية كانت معزولة عن الفجوة بين سعري صرف الدولار الرسمي والموازي”، لافتا إلى أن “هذا هو أحد العوامل والأسباب المهمة لعدم انخفاض أسعار السلع لأنها استوردت بالسعر الرسمي، وليس الموازي الذي انخفض في السوق”.
ويشير إلى أن “هناك مرونة سهلة في حالة صعود الأسعار، لكن هذه المرونة صعبة جدا نحو الانخفاض بسبب الاستقرار السعري في الأسواق وجشع التجار للحصول على هامش ربحي أكبر وهذا مبدأ اقتصادي معروف”.
وبشأن توجه السوداني الأخير بمحاسبة المتلاعبين، يتابع مستغربا “هذا يقودنا إلى التفكير بالفلسفة السياسية للبلد، فإما أن تؤمن الدولة بالاشتراكية وتتدخل في الاقتصاد، وبهذا يكون من حقها وضع تسعيرة ومحاسبة المخالفين، ولكن عندما يعتمد البلد على اقتصاد السوق فالأخير هو من يحدد الأسعار اعتمادا على العرض والطلب”.
ويضيف: “أما إذا تدخلت الدولة في ظل مبدأ اقتصاد السوق فإن هذا يؤدي إلى احتكار بعض السلع ويرفع أسعارها ويقلل جحم التعامل التجاري، لذا على الدولة أن ترفع يدها من السوق والاتجاه لإيجاد حلول أنجع كإنشاء التعاونيات أو دعم مواد البطاقة التموينية وبذلك تنخفض الأسعار”.
وما زال الدولار يواصل انخفاضه في العراق منذ أسابيع، إذ شهدت الأسواق العراقية خلال الأيام القليلة الماضية تراجعاً ملحوظاً في سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بعد أشهر من التقلبات وارتفاع الأسعار التي أثارت مخاوف شعبية واضطراباً في السوق أدت الى ارتفاع أسعار السلع، لكن على الرغم من الانخفاض الحالي مازالت الأسعار مرتفعة.
وأصدر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، الاثنين الماضي، توجيها “مهما” للدوائر المختصة بمكافحة الجريمة الاقتصادية لمتابعة ومحاسبة المتلاعبين بالأسعار، وخاصة أصحاب المواد الغذائية والأدوية والمخابز والأفران.
وبحسب كتاب صادر عن مكتبه فان توجيه السوداني “يأتي بعد أن شهدت الأسواق العراقية استقرارا ملحوظا في سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي، في وقت ما زال فيه بعض ضعاف النفوس يصرون على بيع السلع بالأسعار السابقة التي شهدت ارتفاعا كبيرا إبان فترة انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار”، مؤكدا، أن “هذا التلاعب يضر بشكل مباشر بالمواطن ويستوجب تدخلا حكوميا حاسما لفرض الرقابة وتطبيق القانون”.
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، أن “معظم البضائع في السوق تم استيرادها عن طريق المنصة والحوالات الرسمية التي تستورد على السعر الثابت للبنك المركزي فهي لن تتأثر بانخفاض أسعار سعر الصرف في السوق السوداء، إذ لا تتأثر بارتفاعه ولا بانخفاضه”.
ويضيف التميمي، “أما الجزء الثاني من البضائع وخصوصا الإيرانية منها وبعض السلع الأخرى من بلدان مختلفة أو تلك المستوردة من إقليم كردستان فهي تتأثر بأسعار الصرف في السوق السوداء، وتنخفض بانخفاضه”.
لكنه يستدرك أن “هذا الانخفاض في السلع لا يظهر بشكل فوري في العراق، لمحدودية المنافسة وضعف ديناميكية السوق، لذا فإنه سيظهر في الأقل بعد نحو 3 أشهر وبشكل تدريجي”.
ومنذ عامين تراجع سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي بوتيرة تصاعدية وبشكل شبه يومي، حيث وصل سعر الصرف، إلى عتبة 170 ألف دينار، وبلغ في بعض الأسواق والبورصات المالية نحو 175 ألف دينار لكل 100 دولار، وهو رقم قياسي لم يسبق تسجيله من قبل.
وبات التذبذب في سعر الصرف يقض مضاجع العراقيين وشغلهم الشاغل لانعكاساته الكارثية على أوضاعهم المعيشية وقدراتهم الشرائية، التي تراجعت على وقع ارتفاع أسعار السلع والمواد والخدمات الأساسية، طردا مع تراجع قيمة الدينار مقابل الدولار.
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، أن “انخفاض الدولار أمر غير واضح إذا ما كان سيستمر أم يعاود الارتفاع، لأنه غير مرتبط بمعالجات عراقية بحتة إنما بتأثير إقليمي خصوصا مع تأثير المفاوضات الإيرانية الأمريكية وارتفاع قيمة العملة الإيرانية”.
ويضيف حنتوش، أن “الأمر الآخر الذي ساهم في انخفاضه، انفتاح الحوالات، الذي قلل ضغط الطلب على الدولار، لذا ليس واضح فقد ينخفض أكثر أو ارتفع”.
ويشير إلى أنه “في حالة انخفاض الدولار يصعب تخفيض الأسعار من قبل التجار بشكل مباشر حتى يتم إنهاء المخزون المستورد والبدء باستيراد سلع جديدة، فسلاسل الإمداد لا تتم بشهر أو شهرين إنما تحتاج إلى وقت قد يستغرق 3 أشهر تقريبا”، مؤكدا أن “محاسبة المتلاعبين بالأسعار حاليا هو أسلوب غير مجد، فخفض الأسعار يجب أن يتم عن طريق المنافسة”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- يدعمها مكتب السيد السيستاني في كربلاء.. "العين الصناعية" خدمة طبية نادرة يوفرها مجمع الامام الحسين الطبي
- مراجعة علمية تحدد سلاحا طبيعيا ضد الالتهاب وأمراض القلب
- لافتات المرشحين تغزو الشوارع.. هل تفلت الدعاية المبكرة من رقابة المفوضية؟